قم بالتفكير عالميًّا وقم بالعمل محليًّا

قم بالتفكير عالميًّا وقم بالعمل محليًّا
milett

الترجمة: نجوى رحال
بقلم: افيشاي مرجليت

كان في تل أبيب العبرية مخطط اسكتلندي. الأيام هي أيام الانتداب البريطاني فقام الرجول النشط وكثير الإلهام بتصميم تل أبيب الصغيرة عام 1925 مع رؤية مستقبلية لتطويرها لتصبح مدينة كبيرة في المستقبل. ومن بين كل أفعال هذاالاسكتلندي باتريك غادِس، وكانت عديدة ومنتشرة عبر البلدان والقارات، ظلّ أيضًا شعارًا قام بتوجيه سلوكه وهو الذي يعد عنوانًا لقائمتي هذه: “قم بالتفكير عالميًّا وقم بالعمل محليًّا”.

أولئك الذين يساورهم القلق بشأن مصير كوكبنا في مواجهة تغير المناخ والبيئة، والذين يعتبرون عن حق الخطر البيئي والمناخي على أنه أكبر خطر على مستقبل البشرية، يواجهون فجوة مثبطة بين ما يمكنهم القيام به وحجم الخطر. فتوجد بين المحلي، وجود كل واحد منا في بيئته المباشرة، والعالمي، الكوكب بأسره، هاوية. كيف يجب أن أتصرف، وأنا أفهم على الأكثر أن الإرادة السياسية الحازمة والواسعة النطاق في أيدي الحكومات القوية، ربما، ربما يمكنها درء التهديد البيئي أو إضعافه بشكل كبير. هذه الإرادة السياسية غير موجودة. القليل الذي تم تحقيقه – اتفاق باريس 2015 – عانى بشدة من سياسات عدو الإنسانية الذي يسكن البيت الأبيض حتى يناير 2021.

اعتمد المغني والمغني بيت سيغر، الذي كان ناشط بيئي وداعية سلام أمريكي، شعار المهندس المعماري غادس. أخذ هو وزوجته توشي على عاتقهما التفكير عالميًا في مهرجان لخلق الوعي بالبيئة والعمل محليًا لتنقية بيئتهما حين غنى عن تلوّث نهر الهادسون في ولاية نيو يورك وبادر بالنشاطات لتنظيف النهر. صار نهر الهادسون اليوم أنظف مما كانت عليه من قبل. عدد غير قليل من الناس يفعلون اليوم ما يمكنهم فعله في الأمور البيئية. أعمال التقوى المدنية، من فصل الزجاجات البلاستيكية ونشاطات أخرى. لكن هذه الإجراءات تسلط الضوء على الهوة الموجودة بين المحلي – ما يمكنني أن أعمله – والعالمي، المشكلة والمهمة التي تمتد على نطاق البحار والبلدان. فأذكر الفجوة بين العالمي والمحلي في المسائل البيئية فقط كمثال لما يشغلني هنا وهو الفجوة بين العالمي والمحلي في السياسة في بلادنا. على ضوء الفكرة: قم بالتفكير عالميًّا وقم بتنفيذ العمل محلّيًّا وثيق الصلة بنا هنا والآن.

سأتحدث عن عللتين عالميتين. أحدهما تقريبا انتهى، لكن هذا ال”تقريبًا” هو مشكلتنا. والشر الثاني موجود بكثافة عالمية ومحلية. أما الشرّ الأول فسأعطي لقب الاستيطان: الاستعمار أما الشرّ فهو مبدأ الإغلبية. بين الحرب البروسية-الفرنسية عامّ 1870 والحرب العالمية الأولى عامّ 1914 أضافت القوى الاستعمارية كل عامّ إلى سيطرتها مساحة تبلغ 15 اضعاف مساحة هولندا. كانت النسبة الأراضي التي أضافت لنفسها القوى الكبرى منذ بداية القرن التاسع عشر حتى ذلك الوقت أربعة أضعاف مساحة هولندا. كان التوسع المتسارع والمنافسة بين القوى واضحًا. وهكذا وجد العالم نفسه في بداية الحرب العالمية الأولى أنّه 85٪ من أراضي كوكبنا كانت تحكمها قوى استعمارية.

كانت سرعة انتشار الاستعمار في العالم مثلها مثل سرعو التراجع بعد الحرب العالمية الثانية. لم تزل بقايا من الاستعمار، معظمها غريبة، معظمها الجزر السياحية ومزارع الأغنام: جزر كايمان، فوكلاند، برمودا، جبل طارق، بولينيزيا الفرنسية ومن بينها بقايا نشطة نسبيًا في الصحراء الغربية حيث يدور كفاح البوليساريو ضد الاستعمار المغربي.
لقد منح ترامب هذه الأيام دعمه للاحتلال المغربي. ولكن بشكل عام ، يبدو أن الاستعمار المباشر والقوي، سواء في نسخته التي تجرد السكان الأصليين لصالح مستوطني الدولة الاستعمارية أو في نسخته التي تستغل الموارد الطبيعية والقوى البشرية من المستعمرات الواقعة تحت سيطرتها، قد زالت من العالم. يوجد اليوم مليوني شخص لا يعيشون في ظل حكم ذاتي ووافقت الغالبية العظمى منهم على هذا الوضع باعتباره الوضع المفضل في الاستفتاءات الخاصة بالقضية.

لا تزال حاليًّا إلا دولتان تديران نظام حكم استعماري والطارد للسكان الأصليين: إسرائيل والصين. إسرائيل في الأراضي المحتلة والصين في التبت. لا يغيب عن بالي الرغبة العميقة في أوساط اليسار الأوديبي في تشويه صورة جيل الآباء الذين أسسوا الدولة ووصفهم كمستوطنين استعماريين. لكننا سنترك هذا الحساب لإطار عمل آخر.
ارتكز هنا في الحكم الاستعماري بعد فتوحات حرب 1967. والواقع أن النظام العسكري الذي يرعى المستوطنين ويدوس على حكامه الأصليين هو إحدى السمات المميزة للاستعمار. وخاصة عندما يتعلق الأمر بالنظام العسكري المطوّل دون تاريخ الانتهاء الفعلي على السكان الأصليين الذين يرفضون الاحتلال. تنتهج إسرائيل سياسة استعمارية مباشرة وغير مباشرة. إنها تستوطن مواطنيها في الأراضي المحتلة بينما تنتهك حقوق السكان الأصليين، وبالتالي فإن سلطتهم السياسية تكون بشكل مهين أدنى من حقوق المستوطنين.

إن الأضرار المستمرة للجسد والروح من الاستعمار، ولو بعد تراجعه، هي قضية تستحق الحوار الاسع فيما يعرف باسم ما بعد الاستعمار وهذه أيضًا قضية منفرد فلا انتاولها هنا والآن.

يحتوي الاستعمار الذي تمّ خلقه هنا على العديد من الخطوط العريضة الخبيثة التي تميّز لدولة الفصل العنصري، حيث يتم تحويل الأيديولوجية العنصرية الكامنة وراء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا إلى أيديولوجية علنية ومحتلة لتفوق اليهود وسيادتهم.
إن فكرة أن الاستعمار هو وضع لا يطاق أخلاقياً مثلما أن العبودية لا تطاق وأن العالم لن يسمح بوجود هذا العار قد دحضته الصين وإسرائيل حتى الآن.
ولكن بأي معنى لا تطاق دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ تقوم غالبية مواطني دولة إسرائيل بالتسامح معه كما تتسامح معه دول العالم التي لا تفعل شيئًا للقضاء عليه لأكثر من نصف قرن.

لقد ضمت الصين التبت في عام 1951 من خلال استيطان أعداد كبيرة من الصينيين بين التبتيين وبالتالي غيرت ولم تزل تغيّر طابع تلك المنطقة. لكن “الصين ممنوع إزعاجها”. إن الصين أكبر من أن يعارضها العالم. لكن اتضح أنه حتى بالنسبة لشعبنا الصغير يستسلم العالم ويسمح قياه نظام الحكو الشبيه بالفصل العنصري في الضفة الغربية وحصار على شكل معسكر اعتقال قاسٍ لسكان قطاع. غزة.

قد يتغير وضع التسامح هذا يومًا ما في منطقتنا. لا أستطيع أو لا أريد أن أتنبأ إذا أو متى. سبب رفض التنبؤ بسيط: لا حدث مهمّ في الشرق الأوسط توقعه شخص ما بشكل صحيح، أو توقعه بشكل صحيح للأسباب الصحيحة. على أي حال، لا يُسمح لنا أن نثق بدول العالم أنّها لا تسمح ببقاء هذا الحال. فهي سمحت به خلال 53 سنة.
أفترض أن قراء هذا المقال يشاركونني الاعتراف اللاذع بأن لعنة الاحتلال يقزم أي قضية أخرى في حياتنا العامّة، ولكن مثلها مثل أزمة المناخ، يبتعد هذا الاعتراف بعدًا شاسعًا عن الأجندة السياسية، فالكثيرون لا يعتبرون العدد القليل من المهتمين بالقضية إلا من يقفون على طرف ساحة الأحدث ويثرثرون عن أخطاء الاحتلال. إذن، من يعيش في وعي حاد بأن حكمنا الاستعماري على الفلسطينيين هو وصمة عار تتضاءل من خلالها جميع مشاكلنا الأخرى، فإنه يعيش في إحباط دائم بشأن القدرة على مشاركة هذا الاعتراف مع الجمهور الإسرائيلي الكامل، ناهيك عن القيام بشيء عمليّ ومهم لإنهاء الاحتلال.

إذن ماذا يجب أن نفعله في ساحتنا المحليّة؟ تعتمد الإجابة، من بين أمور أخرى، على الفكرة العالمية التالية.

كثيرا ما يجري الحديث, وغالبًا مع الحق، عن الظاهرة العالمية من انتشار أنظمة الحكم الشعبوية أو عن الأحزاب الكبيرة التعمل على إقامة نظام شعبوي. فطويلة هي قائمة القادة الشعبويين في السلطة أو الذين يترشحون للسلطة: أوربان في المجر وكتشينسكي – النادي الذي نتنياهو عضو فخري فيه – وأردوغان، مودي في الهند، وترامب، وسالفيني، ماري لوبان في فرنسا، والتي كانت الأمل الكبير في هذه المجموعة، سو تسي، في دولة ميانمار، والقائمة غير كاملة. ورغم الاختلافات في الثقافة السياسية في مختلف هذه الدول، هناك خط مشترك: الفكرة أن المواطنة الكاملة يجب أن تُمنح فقط لمن ينتمون إلى مجموعة الأغلبية العرقية أو الدينية أو العرقية والدينية، أو ما يسميه الشعبويون “الشعب”. قد يختلف معنى “الشعب” من مكان إلى آخر. لقد أصبح هذا الاتجاه العالمي قويًا جدًا لدينا ولم يكن قانون الدولة القومية لليهود إلى إحدى مظاهره. إنّ الفكرة هي أن المواطنين العرب في إسرائيل ليسوا إلا مواطنون مع وقف التنفيذ فيجب عزلهم سياسياً لإبطال أي معنى لتصويتهم في يوم الانتخابات.

هناك علاقة بين الموضوعين: الاستعمار الذي يتميز بصفات الفصل العنصري في المناطق المحتلّة والعمل على أساس الأغلبية الشعبوية ضد العرب الفلسطينيين من مواطني إسرائيل.

وفي هذ العلاقة تكمن أيضًا الإجابة على ما يجب أن نفعله محليًا.

يجب أن بالمكان الأول أن نتعرف بالمساواة السياسية الكاملة للمواطنين العرب في إسرائيل. تعتبر قلّة المساواة في الأبعاد الأخرى من المواطنية، منها في المجال القانوني والاقتصادي والرمزي أمورًا محترمة ومهمّة لكنها بالفعل مشتقة من الاعتراف بالمساواة السياسية. يجب أن نعمل على إزالة التابو السياسي الذي يحاول بشكل منهجي تقليص عدد أعضاء الكنيست ل 120 عضوا ناقس أعضاء الكنيست العرب. هذا هدف مهم وقابل للتحقيق من جانبنا في المجال المحلي. ليست هي أبدا بداية الخطوة النهائية لكنها قد تكون نهاية البداية.

أنا أعارض محاولات الالتفاف على القائمة المشتركة من خلال إنشاء قائمة عربية يهودية. أريد بشدة أن تكون قائمة عربية يهودية، لكنها تتطلب تعاونًا سياسيًا وأخلاقيًا فاعلًا وحاسمًا من الأحزاب القائمة، وعلى رأسها الجبهة بقيادة أيمن عودة. يجب علينا أن نطلب عدم التصويت في يوم الانتخابات لأي قائمة يهودية تقاطع أعضاء الكنيست العرب علانيًّا كان أم سرّيًّا.

لا يزيل هذا النشاط الشعور بالفجوة بين الموجود على الساحة والمرجو، لكنّها خطوة في الاتّجاه الصحيح.
سنستمرّ في التفكير عالميًّا بينما لن نحتقر الخطوات الصغيرة التافهة.

Skip to content